آخر تحديث :الثلاثاء - 09 ديسمبر 2025 - 01:40 ص

كتابات واقلام


مقاربات الرياض بين الجنوب والشمال

الأحد - 23 نوفمبر 2025 - الساعة 10:29 م

عبدالكريم أحمد سعيد
بقلم: عبدالكريم أحمد سعيد - ارشيف الكاتب


في المشهد الإقليمي الراهن، تتشكل معادلات معقدة تحكم مقاربة السعودية تجاه الجنوب والشمال اليمني ، ويظهر بينها ما يبدو – ظاهرياً – تناقضاً يثير التساؤلات. فمن جهة، تمضي الرياض في مسار قد يسمح بقيام سلطة شمالية مركزية قوية حتى إن حملت طابعاً طائفياً أو أيديولوجياً واضحاً، ومن جهة أخرى تواصل التعامل مع الجنوب باعتباره ملفاً غير مكتمل، يحتاج إلى إدارة دقيقة أكثر من حاجته لتمكين حاسم. غير أن فهم هذا السلوك يتطلب قراءة أعمق في منظومة المصالح، وخصوصية الأولويات، والتوازنات الدولية التي تفرض ضغوطها على مواقف الدول.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يظل الشمال هو المجال الأكثر حساسية من زاوية الأمن القومي المباشر. فمن هناك تأتي التهديدات المتصلة بالحدود، وتتقاطع خطوط النفوذ الإقليمي، وتتبلور المخاوف المتعلقة بتمدد القوة المرتبطة بالمحور الإيراني. وفي ضوء هذه الاعتبارات، قد تظهر لدى الرياض قابلية أكبر للتعامل مع سلطة شمالية يمنية موحدة وقوية، طالما كانت هذه السلطة مشمولة بضمانات دولية، وبفهم واضح لقواعد الارتباط الأمني والسياسي. من هذا المنطلق، لا ينظر إلى "قوة الشمال" باعتبارها مكسباً لطرف ما بقدر ما ترى كآلية لضبط الفوضى ومنع الفراغ الذي قد ينشأ عنه تهديد مباشر للمملكة.

أما الجنوب، فرغم أهميته الاستراتيجية وثقله السياسي المتزايد، إلا أنه ينظر إليه – في البيئة الإقليمية – باعتباره مجالاً مازالت صورته المستقبلية قيد التشكل. وبدلاً من أن يكون مصدراً للتهديد، يعتبر الجنوب شريكاً محتملاً، ولكن شراكة لا تزال تبحث عن إطارها النهائي. ولهذا تفضل السعودية، ومعها أطراف دولية مؤثرة، إدارة التوازنات الجنوبية بدقة، بحيث لا يتحول أي طرف إلى قوة حاسمة قبل استكمال معادلة التسوية الشاملة. فتمكين طرف جنوبي واحد بشكل كامل قبل الاتفاق قد يخلق – بالنسبة لهذه الأطراف – واقعاً يصعب ضبطه لاحقاً، ويقود إلى إعادة رسم النفوذ الإقليمي بطريقة غير متوقعة أو غير منسجمة مع مخرجات السلام المرتقبة كما يعتقدون.

إن المقاربة السعودية ليست مستقلة تماماً عن الاتجاه الدولي العام. فالأمم المتحدة والعواصم الكبرى تتحرك بمنطق إغلاق ملف الحرب أولاً، ثم التعامل مع الأسئلة الكبرى المتعلقة بشكل الدولة ومستقبل الجنوب لاحقاً. هذا الإرجاء – وإن كان يوفر إطاراً لوقف القتال – يترك الجنوب في مساحة رمادية مفتوحة على المنافسة الداخلية والتجاذبات، ويؤخر الحسم السياسي الذي يحتاجه لصياغة دور واضح في مستقبل البلاد. وفي ظل هذا التأجيل، يصبح الجنوب موضوعاً لإدارة التوازنات أكثر من كونه طرفاً مكتمل الاعتراف بدوره النهائي.

هذا المشهد بمجمله لا يعني بالضرورة أن السعودية تتبنى موقفاً سلبياً تجاه الجنوب، لكنه يعكس أولويات مختلفة بين ما تعتبره المملكة "ملف تهديد" في الشمال و"ملف شراكة" في الجنوب. فالدول عادة تعالج التهديدات على نحو سريع ومباشر، بينما تدير العلاقات مع الشركاء من خلال التدرج والاختبار والتفاهمات طويلة الأمد. وهكذا يظهر الاختلاف في نهج الرياض بين الساحتين بوصفه اختلافاً في طبيعة المقاربة وليس في الموقف السياسي.

إن استيعاب هذه الصورة المركبة يساعد الجنوب على تحديد خياراته بثقة أكبر، وفهم أن العالم من حوله لا يرفض حضوره ولا يتجاهل تطلعاته، ولكنه يتعامل معه ضمن إطار تسوية لم تكتمل ملامحها بعد. ويبقى التحدي الحقيقي أمام القوى الجنوبية هو كيفية تحويل هذا الانتظار إلى فرصة لإعادة تنظيم الصف، وتقديم رؤية واضحة، وبناء حضور سياسي يفرض نفسه كشريك مكتمل الأهلية لا كملف مؤجل إلى حين توفر الظروف الدولية.

عبدالكريم أحمد سعيد