آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 01:31 ص

كتابات واقلام


إطلالة على نشأة الحزب الاشتراكي في ذكراه الـ ٤٧

الإثنين - 20 أكتوبر 2025 - الساعة 04:57 م

اللواء علي حسن زكي
بقلم: اللواء علي حسن زكي - ارشيف الكاتب


لقد وُلد الاشتراكي من رحم المعاناة، حزب جماهيري نشأ نشأة وطنية، قياداته من كل محافظات الجنوب وتتجدد في كل مؤتمر، لم يكن حزباً نخبويّاً، لم يُولد في بلاط الحكم، ولم يُولد في مواجهة الآخر، ولم تكن قيادته من منطقة أو عائلة تتوارث القيادة.
في أغسطس ٦٣م تأسست نواته الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، لا لمسايرة وضع استعماري قائم أو استلهام مسمى كيان تم تأسيسه ليكون بديلاً في الحكم بعد رحيل المستعمر.
حزب مؤسسي منذ نشأة خلفيته، حيث كان للجبهة القومية برنامج سياسي ودليل نظري للثورة (الميثاق الوطني الذي تم إقراره في المؤتمر الأول لها في يونيو ٦٥م) استوعب تحليلاً لمرحلة الاستعمار ولنضالات وتضحيات واضرابات وانتفاضات شعب الجنوب ونقاباته وطلابه في مدينة عدن وقبائله في المناطق، وحدد مهام الثورة ورسم ملامح المستقبل، وسار على هداه حتى الاستقلال.
وبعد الاستقلال، كان هناك برنامج لاستكمال التحرر الوطني. من خضم تلك النضالات والتضحيات وانتصارات تحقيق الاستقلال وتأسيس وبناء الدولة الجنوبية المؤسسية وتحقيق منجزاتها في شتى مجالات الحياة، تأسس التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية على قاعدة النهج الديمقراطي والثوابت الوطنية.
وبعد حوارات وتوحيد من المديريات والمحافظات وصولاً إلى أعلى الهيئات القيادية، تكلل كل ذلك بتأسيس وإعلان التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية في المؤتمر التوحيدي للفصائل الثلاث: (الجبهة القومية، الطليعة الشعبية، اتحاد الشعب الديمقراطي)، المنعقد في مارس ٧٥م في قاعة سينما بلقيس بحقات (قاعة فلسطين لاحقاً). وفي لوحة تاريخية بديعة عكست وحدة الصف الوطني التنظيمي والسياسي، وبعد انتهاء الجلسة الختامية للمؤتمر، اصطف عبد الفتاح وسالمين وعبدالله باذيب وعلي باذيب وأنيس حسن يحيى وعبد الغني عبد القادر، وتشابكت أياديهم، ليُعلن قيام تنظيم موحد قام على الثوابت الوطنية والأصالة النضالية والسياسية والتنظيمية.
فقد اكتسب التنظيم كل مقومات الديمومة والبقاء، وذابت معه الهوية التنظيمية لتلك الفصائل في هوية واحدة: التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية، وامتداده الحزب الاشتراكي الذي تأسس في عام ٧٨م.
وكان الرئيس والأمين العام المساعد للتنظيم السياسي، سالمين، يرى أن تأسيس حزب اشتراكي – قياساً بظروف المرحلة – سابق لأوانه، وأن الأفضل أن يكون بتسمية أخرى. وربما يكون ذلك من أسباب أحداث ٢٦ يونيو ٧٨م عشية انعقاده.
وإذا كان من الصحيح أن هناك خضّات ومنعطفات آلمت بالجبهة القومية في ٢٢ يونيو ٦٩م (قحطان، فيصل ومن تم تسميتهم باليمين الرجعي)، وبالتنظيم السياسي الموحد في ٢٦ يونيو ٧٨م (سالمين، جاعم، لعور ومن تم تسميتهم باليسار الانتهازي)، وبالاشتراكي في ١٣ يناير ٨٦م، فإن الحزب قد فقد في كل تلك الأحداث خيرة قياداته التي لا يمكن أن تُعوض بنضالاتها وتضحياتها وكاريزميتها وخبراتها وتجاربها، وفي وقت كان أحوج ما يكون إليهم.
ولأسباب لم تكن داخلية فقط نتيجة حداثة التجربة ومخلفات الماضي وربما حسابات سياسية ضلت الطريق، إضافة إلى انتقال تناقضات المجتمع إلى داخله، طالما لم يستوعب شركاء النضال التحرري في الحكم – وفي مقدمتهم جبهة التحرير وجناحها العسكري التنظيم الشعبي.
إن أسباب تلك الخضّات لم تكن داخلية فحسب، بل أيضاً محلية وإقليمية ودولية استهدفت الحزب الاشتراكي وخلفياته التنظيمية ودولته (دولة الجنوب) منذ لحظة ولادتها.
وبشأن مشاركة جبهة التحرير في الحكم ولمعرفة الأسباب، يُحكى أن الجبهة القومية في محادثات الإسكندرية مع جبهة التحرير عشية الاستقلال عرضت عليها الشراكة في الحكم، وأن جبهة التحرير اشترطت أن تكون الشراكة ثلاثية، طرفها الثالث التنظيم الشعبي. لم توافق الجبهة القومية، إذ رأت في ذلك افتئاتاً عليها، طالما أن التنظيم الشعبي جزء من جبهة التحرير وجناحها العسكري، كما أنها لم تطلب شراكة جيش التحرير والقطاع الفدائي طالما كان تابعاً لها.
تلكم إطلالة على نشأة الحزب الاشتراكي في ذكراه الـ ٤٧، وعلى تاريخه وتجربته، ما استطعنا إليه. نأمل أن نكون قد وفقنا، وهو مجرد مقال رأي قابل للصح والخطأ وما بينهما، ولا ريب في ذلك.