آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 01:31 ص

كتابات واقلام


الجنوب بين معاناة الناس الحياتية وتسابق أجندة المصالح الخارجية

الجمعة - 21 نوفمبر 2025 - الساعة 04:07 م

اللواء علي حسن زكي
بقلم: اللواء علي حسن زكي - ارشيف الكاتب


في ظل جحيم معاناة الناس الحياتية وانقطاع الكهرباء والماء وعدم صرف المرتبات في مواعيدها، فضلاً عن تراكمها لأشهر متتالية، يعيش المواطن الجنوبي مأساة حقيقية. الموظفون المدنيون لم يتقاضوا رواتبهم لأربعة أشهر (أغسطس – نوفمبر)، ليُصرف لهم أخيراً راتب شهرين فقط، فيما بقي منتسبو القوات العسكرية والأمنية بلا مرتبات لمدة خمسة أشهر متتالية، وتضاف إلى ذلك تردي الخدمات الصحية والتربوية وانحدار مستوى التحصيل العلمي مقارنة بسابق عهدها. ولما كانت أسباب كل ذلك وفقاً لما سلف ليست موضوعية، بل في معظمها ذاتية، وبسبب انتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري بأشكاله المختلفة ووصول مخالب الفاسدين إلى جسد المال العام والتلاعب به، ما ضاعف من جحيم المعاناة وزادها سوء على سوء، باتت الأسباب ومن يقف خلفها والمستفيدون منها واضحة تقريباً، خصوصاً مع توفر المعلومات في عصر تطور العلوم والتكنولوجيا وانتشار منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي.
الجنوب بأهمية موقعه وخيراته الواعدة صار محلاً لتسابق أجندة المصالح الخارجية، وفي عاصمته التاريخية عدن لما تمتلكه من مقومات وخيرات إضافية، كان ميناءً عالمياً مشهوداً له قبل أن يُضعفوا قدراته وأدائه في استقبال سفن الشحن ومناولة الحاويات، مما ترتب عليه فقدان البلد أهم مورد سيادي ومالي من العملة الأجنبية والمحلية، وكذلك عائدات الضرائب الجمركية لصالح ازدهار موانئ مجاورة. وفي السياق نفسه، تم تجاهل إعادة أهم المرتكزات السيادية والخدمية الأخرى، وفي مقدمتها مصافي الزيت، والتعامل معها بالتقطير، وإهمال صيانة وتشغيل المحطة الكهروحراية المنتجة للطاقة الكهربائية، في ظل ما يعانيه المواطن من انقطاعات الكهرباء المستمرة، وهي المحطة التي كانت شعلتها تضفي جمالاً على سماء البريقة/عدن.
كما ظهرت أجندة تضارب المصالح الخارجية فيما تشهده حضرموت وشبوة وسقطرى والمهرة، بسبب ما تمتلكه من مقومات طبيعية وموانئ على بحر العرب، وامتداد في صحراء الربع الخالي بما تشير إليه التوقعات عن احتضانها حقولاً واعدة بالنفط والغاز تضاهي أغنى البلدان إن لم تكن أكثر. لذلك يمكن قراءة سبب إبقاء الجنوب في وضعه الحالي وعدم دعمه لاستعادة دولته، وفهم ما تشهده حضرموت من تسابق أجندة المصالح بين دولتين إقليميتين وتبني قوى محلية وتمويل قوات عسكرية بغرض التواجد والفوز بنصيب الأسد.
نشرت صحيفة الأيام في عددها ليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 تقريراً بعنوان "إجماع جنوبي داخل مجلس القيادة بشأن مصير حضرموت"، مستهلة بتوضيح توسع دور الرياض وأبوظبي ومسقط، وما يرافق ذلك من دعم سياسي وعسكري لقوى محلية. وبالنظر إلى دول الرباعية الدولية وقياساً بمعاناة الناس، لم تفي هذه الدول بكل التزاماتها وفقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة (قرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015)، الذي يكلّف السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا بإدارة البلد اقتصادياً وتوفير الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والوقود والمرتبات والصحة والتعليم، في ظل تردي تلك الخدمات وازدياد معاناة الناس.
أما اتفاق الشراكة الموقع في الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي في نوفمبر 2019، والذي ينص على إدارة موارد الدولة وضمان صرف رواتب ومخصصات جميع منتسبي القوات العسكرية والأمنية والمدنية، فقد لم يحقق أي نتائج، وما تحقق هو ازدياد جحيم المعاناة على نحو ملموس.
وازاء كل ذلك، على شعب الجنوب ألا ينتظر من ينقذه من كارثة المجاعة، بل عليه الاعتماد على النفس والخروج إلى ميادين النضال السلمي في مسيرات وتظاهرات حضارية، بعيداً عن قطع الطرقات أو إحراق الإطارات أو تلويث البيئة أو الإضرار بالمصالح العامة والخاصة. كما يقع على القوى الحية والمجتمع المدني واجب قيادة هذه المسيرات ومنع استغلالها من قبل المتربصين، وعلى الصحافة والإعلام تغطيتها وإيصالها للرأي العام المحلي والدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، يقع على رجال القانون واجب إعداد عريضة شكوى قانونية مدعومة بالوقائع والتفاصيل ضد المسؤولين عن معاناة المواطنين، من أجل تحقيق العدالة والإنصاف ورفع الظلم والمظالم التي يواجهها الشعب جراء الجحيم الحياتي والمجاعة وآثارها الكارثية على حياة الفرد والمجتمع.